(الكُسَالَى أَكْثَرُ النَّاسِ هَمّاً وغَمّاً وَحَزَناً)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “الكُسَالَى أَكْثَرُ النَّاسِ هَمّاً وغَمّاً وَحَزَناً، لَيْسَ لَهُمْ فَرَحٌ وَلَا سُرُورٌ، بَخِلاَفِ أَرْبَابِ النّشَاطِ والجِدِّ فِي العَمَل“.
روضة الْمُحِبِّين (1/168)
الشرح البَيِّنُ من كلام ابن القيم
كتب الأستاذ عيسى بن محمد المَسْكَري
الجِدّ يُورث النشاط، والتحدي يُولد الإرادة، ولن تحصد من بذور الكسل إلا أشواك الخيبة والحسرة والندامة.
ألم ترى بأن الماء المتدفق لا يسده حاجب، ولا يعوقه حاجز، ولا يوقفه عائق، ولكن إذا سكن وأسن تتكاثر فيه طحالب الغَمّ، وتعشش فيه براغيث الكدر.
يقول الإمام الشافعي: إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
صاحب الجِدّ يزرع ويحصد وإن كانت الأرض قاحلة، والكسالى لن يحصدوا من الأراضي الخصبة إلا ثماراً فاسدة.
يقول أحد الشعراء : إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدًا ندمت على التفريط في زمن البذر
الكسل داء قاتل، وآفة مميتة، ومرض يصيب القلب والعقل والجسد، فيُحرم القلب من العبادة والصلاة والذكر، ويُحجب العقل من التبصر والفهم والتفكر، ويمنع الجسد من الهمة والجد والعمل.
فأرباب الكسل على فُرُش الهَزْل ساهون، وعلى أريكة التراخي حائرون، الهّمُ مقعدهم، والغَمّ مجلسهم، والحزن مسكنهم، يبغضون الهمم، ويكرهون القمم، فأنى لهم أن يصيبهم فرح وسرور، وهم بلا إرادة توقظهم أو عزيمة تحركهم.
وأفضل وسيلة لمواجهة أعداء التسويف والكسل سلاح الجِدّ والعمل، فمن تجرد من درع الهمة والنشاط أصابه داء الخوف والقلق.
فإن كان لليقظة عجز، فليس هناك أثقل من الكسل، وإن كان للعزيمة فتور فليس هناك أسوء من الكسل، وإن كان للأقدام قيود فليس هناك أشد من الكسل.
إن وقف السالك في وسط الطريق حائراً، فالعجز قاطع للسير، والكسل مانع من ولوج الإرادة في القلب.
عِلَل خطيرة تصيب القلب بالإعاقة والشلل، إعاقة الهمة من التقدم، وشلل اليقظة من الإنجاز، وما الآثار الخاسرة إلا نتيجة الخمول والتراخي والكسل.
وللكسل آثار ظاهرة وأخرى خفية:
أولها: تقاعس النفس عن العمل.
وثانيها: ضعف الإرادة عن الإنجاز.
وثالثها: غفلة القلب عن ذكر الله.
ورابعتها: فتور الهمة عن العبادة.
وخامستها: تثاقل الجسد عن الصلاة.
قال الله تعالى: “وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا“. النساء” (142)
فلا تجالس غافلاً يُميت قلبك، ولا تصاحب جاهلاً يُفسد عقلك، ولا تقترب من الكسالى، فإن أردت تقدماً منعوك، وإن هممت بخير أقعدوك.
قال أحد الشعراء:
لا تصحبِ الكَسْلَانَ في حالاتِه
كم صالحٍ بفسادِ آخرَ يفسدُ
عدوى البليدِ إلى الجليدِ سريعةٌ
والجمرُ يُوضعُ في الرمادِ فيخمدُ
الكسل مرتع لكل حاقد وحاسد، فإن نويت خيراً منعك الأول، وإن أردت حسنة لا يفرح الثاني إلا بزوالها.
انتهى